بحث

الحسم العسكري بات مسألة وقت

محمود الطاهر

تشهد الساحة اليمنية تصعيدًا ملحوظًا خلال الأسابيع الأخيرة، مع تكثيف الضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت البنية العسكرية لمليشيا الحوثي الإيرانية، وخاصة قدراتها الصاروخية والطيران المسيّر، مما تسبب في تآكل كبير في قوتها الهجومية.

وبالرغم أن المليشيا الحوثية تعلن عدم تأثرها من الضربات الجوية الأمريكية الساحقة، إلا أن التأثير على قدراتها العسكرية بات واضحًا، إذ أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن عمليات إطلاق الصواريخ الباليستية تراجعت بنسبة 69% وانخفضت هجمات الطائرات المسيّرة الانتحارية بنسبة 55%.

في الوقت ذاته، تتحرك القوى اليمنية الشرعية بقيادة مجلس القيادة الرئاسي بخطوات متسارعة لتنسيق المواقف مع مختلف المكونات العسكرية والسياسية، في مشهد يعكس اقتراب معركة الحسم ضد الذراع الإيرانية في اليمن.

الاجتماعات المتتالية لمجلس القيادة الرئاسي، خاصة مع القيادات العسكرية ومكونات سياسية واسعة آخرها المجلس الأعلى للتكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، تُشير إلى أن ترتيبات ما بعد الحوثي لم تعد مجرد أفكار نظرية، بل تحولت إلى خطط عملية يتم الإعداد لها بشكل دقيق. 

ووفقًا للمعلومات، فقد أقرّ التكتل الوطني خطوات تحرك سياسي لمرحلة ما بعد إنهاء الانقلاب الحوثي، وأعلن تشكيل لجنة لإعداد تصور شامل لإعادة بناء مؤسسات الدولة وتعزيز السلام الشامل، بما يضمن مشاركة وطنية واسعة لا تُقصي أحدًا.

هذا التحرك السياسي الموازي للتحضيرات العسكرية يكشف بوضوح أن قرار الحسم قد اتخذ بالفعل، وأن العملية العسكرية البرية باتت مسألة وقت لا أكثر، لم يعد الأمر يتعلق فقط بصدّ هجمات الحوثي أو تحجيم قدراته، بل بإسقاط مشروعه الانقلابي بشكل كامل وإعادة اليمن إلى المسار الوطني الجامع.

مؤشرات التحول الجوهري هذا عديدة، أولها، أن الضربات الجوية لم تعد تستهدف مواقع تكتيكية فقط، بل تركز على تدمير قدرات الحوثي الاستراتيجية، وهو أمر لا يتم عادة إلا عندما يكون هناك تحضير ميداني لعمليات برية تستغل حالة الإرباك والضعف لدى العدو. 

ثانيًا، الحراك السياسي الداخلي بين القوى اليمنية الشرعية، يعكس إدراكًا بضرورة ملء الفراغ المتوقع بعد انهيار سلطة الحوثي في مناطق سيطرته، بما يمنع الفوضى ويحافظ على تماسك الجبهة الداخلية.

إن الحديث عن إعداد تصور شامل لإعادة بناء مؤسسات الدولة، يعبر عن فهم عميق لطبيعة المرحلة القادمة، والتي تتطلب إدارة ذكية لليمن ما بعد التحرير، تضمن استقرار المناطق المحررة وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية والمدنية، وبناء نموذج حكم يعزز من مشروعية الدولة ويعيد ثقة اليمنيين بمؤسساتهم الوطنية.

الأمر الآخر اللافت، هو أن التحركات الأخيرة تجاه مرحلة ما بعد الحوثي جاءت متزامنة مع تصاعد الدعم الدولي والإقليمي للشرعية، وهو دعم لا يقتصر على الجانب السياسي، بل يشمل أيضًا الدعم العسكري والاستخباراتي، ما يؤكد وجود توافق دولي على ضرورة إنهاء التهديد الحوثي، كونه بات لا يمثل خطرًا على اليمن فقط، بل على الأمن الإقليمي والدولي، خاصة مع تهديده المستمر للممرات الملاحية الدولية.

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن ساعة الحسم تقترب أكثر من أي وقت مضى، فمليشيا الحوثي، التي رفضت كل المبادرات السياسية وتعنتت أمام كل فرص السلام، تجد نفسها اليوم معزولة عسكريًا وسياسيًا وشعبيًا، مع تآكل كبير في قدراتها العسكرية بفعل الضربات النوعية، وتزايد التململ الداخلي في مناطق سيطرتها نتيجة الانهيار الاقتصادي والمعيشي.

إن تحرك مجلس القيادة الرئاسي والمكونات السياسية والعسكرية المختلفة نحو مرحلة ما بعد الحوثي يعكس ليس فقط رغبة في إنهاء معاناة اليمنيين من عبث هذه المليشيا، بل أيضًا استعدادًا مسؤولًا لإدارة البلاد بما يحفظ وحدة اليمن واستقراره.

ومن هنا، فإن التحرك العسكري المقبل ضد مليشيا الحوثي لن يكون مجرد عملية عسكرية تقليدية، بل سيكون بداية لمرحلة تاريخية جديدة، يؤسس فيها اليمن دولة وطنية حديثة خالية من الانقلابات ومشاريع الهيمنة الخارجية.

آخر الأخبار