كلمة أحمد علي عبدالله صالح التي ألقاها في مناسبة العيد الوطني لثورة 26 سبتمبر حملت في طياتها أبعادًا سياسية مهمة، ليس فقط لكونها الظهور المتلفز الأول له منذ استشهاد والده على يد مليشيا الحوثي الإرهابية، بل لأنها جاءت في توقيت حساس يشهد تصاعد الصراع الداخلي ضد الحوثيين، وانقسامًا حادًا في المشهد السياسي اليمني.
أول ما يلفت الانتباه أن أحمد علي صالح خرج من دائرة الصمت الطويل ليعلن بوضوح موقفًا سياسيًا مباشرًا، متجاوزًا إطار التهاني الوطنية والمناسبات التقليدية إلى خطاب تحريضي ضد الحوثيين ودعوة صريحة للاصطفاف الوطني.
هذه النقلة تعكس أن الرجل لم يعد يرغب في الاكتفاء بدور "الرمزية" المرتبطة بوالده، بل يسعى إلى تثبيت نفسه كرقم سياسي في المعادلة اليمنية المقبلة، خصوصًا وأنه لا يزال يحظى بتأييد واسع داخل قواعد حزب المؤتمر الشعبي العام وقطاع من الشارع اليمني الذي يرى في عائلة صالح امتدادًا للجمهورية وخصمًا تاريخيًا للإمامة.
الخطاب ركز على إعادة ربط ثورة 26 سبتمبر وما تلاها من مكتسبات بالمواجهة الحالية ضد الحوثيين، وهو ربط يحمل دلالة عميقة، إذ يُصوِّر الحوثي كامتداد مباشر للإمامة التي ثار عليها الشعب اليمني منتصف القرن الماضي.
من خلال هذا التشبيه، يضع أحمد علي الحوثيين في خانة "العدو التاريخي"، ما يضفي على دعوته للاصطفاف الوطني بعدًا ثوريًا وجماهيريًا يصعب تجاوزه.
كما أن تأكيده على أن موعد الخلاص من المليشيا "قريب جدًا"، يعكس رسالة تعبئة نفسية للشعب اليمني، ويهدف لرفع المعنويات وإيصال إشارة بأن المعركة ليست طويلة الأمد إذا ما توحدت القوى الوطنية، وفي الوقت ذاته، هو يفتح بابًا للتفكير في أن كلمة أحمد علي ربما لم تكن مجرد خطاب احتفالي، بل مقدمة لتوجه عملي قد يُترجم في تحركات سياسية أو عسكرية بدعم إقليمي.
اللافت أيضًا أن صالح وجّه شكره بشكل مباشر للسعودية والإمارات ومصر وسلطنة عمان، وهو ما يعكس إدراكه العميق أن أي مشروع وطني لإنقاذ اليمن لن ينجح بمعزل عن الدعم الإقليمي.
بهذا، يكون قد وضع نفسه على خط التقارب مع التحالف العربي مجددًا، مؤكّدًا استعداده للعب دور سياسي أو قيادي في المرحلة القادمة، وهو أمر قد يثير جدلاً داخل أجنحة المؤتمر الشعبي العام نفسها وبين القوى الأخرى.
من جهة أخرى، حملت كلمته رسائل متعددة: إلى الداخل، حيث وجّه خطابًا تعبويًا إلى الجماهير، ربط فيه بين معركة الماضي والحاضر ضد الاستبداد الإمامي.
وإلى القوى السياسية، حيث دعاها صراحة لتبني مشروع إنقاذ وطني جامع، محاولًا تجاوز خلافات الماضي.
وإلى الخارج، من خلال إرساله تطمينات إلى الحلفاء بأن اليمن سيظل جزءًا من منظومته العربية ولن ينجرف بعيدًا عن محيطه.
سياسيًا، يمكن القول إن هذه الكلمة تمثل بداية انتقال أحمد علي من مربع "الصمت المراقب" إلى مربع "الفاعل المباشر".
وإذا ما استثمر هذه اللحظة، فإن ظهوره المتلفز قد يعيد خلط الأوراق في المشهد اليمني، خصوصًا إذا التقطت القوى الإقليمية هذه الإشارة ووفرت له مظلة دعم تُمكّنه من ترجمة دعوته إلى اصطفاف حقيقي على الأرض.
باختصار، كلمة أحمد علي عبدالله صالح لم تكن مجرد خطاب في مناسبة وطنية، بل إعلان سياسي مدروس، يؤشر إلى أن الرجل يستعد لدور أكبر في المرحلة القادمة، ويضع نفسه في موقع من يسعى لتوحيد اليمنيين في مواجهة المليشيا الحوثية، مستندًا إلى إرث والده ومكانة أسرته، وإلى شرعية الثورة والجمهورية، وإلى علاقاته الإقليمية المحتملة.