بحث

تفخيخ المساجد أولويات مخطط الحوثي وإسرائيل

احمد الشميري

ما بين مرّان في صعدة وتلّ أبيب، ثمة ارتباط وثيق في نمط الجرائم التي تُرتكب ضدّ الشعوب، سواءً ضدّ الشعب اليمني أو الفلسطيني، ففي غزة والقدس والضفة يركّز الاحتلال على تفجير المساجد والمنازل وتدنيس المقدسات، وفي صنعاء تركز مليشيا الحوثي، بدعمٍ إيراني، على تفخيخ وتفجير المساجد وإغلاق دور القرآن وحرمان المصلين من أداء واجباتهم.


منذ اليوم الأول للانقلاب، ركّز الحوثي هجماته الرئيسية على المساجد. كان أول مسجد يفخّخّه قبل دخول صنعاء مسجد دار الحديث في مديرية كتاف بمحافظة صعدة، ليبدأ مسلسل الجرائم الذي تتابعت حصائله حتى بلغت (4896) انتهاكًا للمساجد، ولم يكتفِ بتدمير دور العبادة، بل قتل (277) من رجال الدين ومعلمي القرآن بشكل مباشر، وأصاب نحو (178) آخرين، واختطف (386)، وعذّب (73) حالة.

ووفقًا للشبكة اليمنية للحقوق والحريات، فقد جُرِدت (201) مساجد من أنفاسها بتفخيخها وتفجيرها، فيما أُحرِق (52) مسجدًا.

ظلّ الحوثي مركزًا على المساجد في حربه على الشعب اليمني، بل عمد إلى تحويل (423) مسجدًا إلى ثكنات عسكرية لمليشياته تُمارَس فيها سلوكيات تسيء إلى قدسية دور العبادة، من رقص وغناء وتعاطٍ للقات، وغيرها من الممارسات المعيبة.


كل هذه السلوكيات أجبرت أبناء المناطق المحتلة من الحوثي إلى الامتناع عن دخول المساجد حتى في يوم الجمعة، بعد أن حوّلها الحوثي إلى مراكز طائفية لنشر الخزعبلات والأفكار الهدّامة، وفرض نحو (1291) خطيباً على تلك المساجد، وأغلق (209) مساجد وحولها إلى مدارس طائفية.

ولم يقتصر الأمر على تدمير المساجد، إذ منع الحوثي عقد حلقات تحفيظ القرآن في كثير من المناطق، فأغلق نحو (467) مدرسة لتحفيظ القرآن كانت ملحقة بعدد من المساجد في المناطق التي يسيطر عليها. كلُّ ذلك يؤكد أن الحوثي ليس عدوًّا لليمنيين فحسب، بل عدواً لله في أرضه.


تشكل الانتهاكات الحوثية للمساجد ودور العبادة سياسة ممنهجة لفرض الفكر الطائفي المستورد، الذي يحمل أهدافًا واضحة: طمس الهوية الدينية المعتدلة، تدمير نسيج المجتمع، ونشر أفكار هدامة، واستخدام المساجد كمنصّات لتجنيد الأطفال وتحريض المصلين على العنف.


على وقع هذه الحرب على المساجد، لاحَ انتشار محلات المشعوذين والسحرة المدعومين من الحوثي، وتفيد المعلومات أن بدر الدين الحوثي ونجله أدارا مدرسة في مرّان لتعليم الشعوذة والسحر لسنوات، وتخرّج منها عدد من المشعوذين الذين يعملون اليوم كمشرفين حوثيين؛ وثمّة أيضًا من خريجي عبدالملك الحوثي في مجال الشعوذة والسحر، يستخدمون التقية لتدمير عقول الناس وإفساد المساجد ودور العبادة.


لقد حوّل الحوثي المساجد خلال شهر رمضان إلى ما يشبه المقابر، بعدما منع صلاة التراويح وفرض على المصلين الاستماع إلى خطب وحكايات عبدالملك الحوثي التي تروّج للفتنة والإرهاب وتزرع الفرقة بين الناس. لذا فإنّ المسؤولية اليوم كبيرة على عاتق الشعب اليمني بكل توجهاته بما فيهم الدعاة، ورجال الدين، والمثقفين، والإعلاميين الذين عليهم فضح هذه الجرائم وتوعية الرأي العام بخطورتها على مستقبل البلاد ووحدتها الفكرية والمجتمعية، كما يتعين على الحكومة الشرعية أن تضع ملف المساجد في صدارة اهتماماتها في المحافل الدولية وأن تطالب بتحقيقات مستقلة لمحاسبة المتورطين.


إن ما تتعرّض له المساجد في اليمن اليوم هو أشنع من أن يُقارن بتجارب التاريخ القديمة أو الحديثة؛ فالمئات من أئمة المساجد أُجبروا همّ وأسرهم على مغادرة مناطقهم، فيما يتعرّض آخرون لانتهاكات جسيمة، وآخر الضحايا كان صالح حنتوس الذي أُعدم أمام أسرته في حملة حشدت ضدّ شخصٍ كان يعيش في منزله مسالماً، إلى جانب اقتحام جامع السنة في حي سعوان بالعاصمة صنعاء  وطرد إمامه وطلابه بأسلوب إقصائي وطائفي مبني على الكراهية والتسلط المذهبي الذي لا يعترف بالتنوع ولا يحترم حرمة بيوت الله.


هذا الحوثي الإرهابي، الذي ينفّذ أجندات لا تختلف عن الأجندات الإسرائيلية في بعض ممارساتها، يواصل حربه الهمجية على المساجد ورجال الدين؛ وأصبح خطراً ليس على الشعوب والأمن والسلم الدوليين فحسب، بل على الإسلام والمسلمين عمومًا، خصوصاً وأن أفكاره الإرهابية التي تستهدف الدين قبل البشرية تمثل تهديدًا صريحًا للمجتمعات المسلمة ومقدساتها.


إن من يفتخر باستهداف الحرمين الشريفين خدمة لأجندات خارجية، لا يمكن إلا أن يكون أداةً مأجورةً لملالي قم وحاخامات أصفهان الذين يحرمون إقامة المساجد في بلادهم، ويُعدمون من يُصلّي.
إن ما تتعرّض له المساجد يدخل في إطار مخططٍ واضح لتدمير مكوّنات الإسلام الوسطي وما الحوثي مجرد أداةٍ منفذة، لذا علينا اليوم أن ننتصر للدين والكرامة والشرف؛ فالدفاع عن المساجد يعني استعادة الوطن والهوية، خصوصاً وأن الحوثي يصرّ على تجريد الناس من وعيهم كي يبقى هو المسيطر بعد أن يدمر عقولهم وأفكارهم.

السؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى الصمت عن هذه الحرب المتواصلة على المساجد ودور العبادة؟ كفى تجاهلًا، أيها العالم الإسلامي، وكفى تهاونًا يا شعب اليمن، المساجد التي كانت تجمعنا على كلمةٍ سواء باتت اليوم تحت رحمة جماعة لا تؤمن إلا بالعنف والإقصاء، وتفخيخ عقول الأطفال وطمس المعتقدات الدينية.


إن الانتصار للإسلام والمسلمين يبدأ بالقضاء على عصابات إيران المتمثلة في مليشيا الحوثي وغيرها، تلك العصابات التي تشكّل خنجرًا سامًا في خاصرة الأمة، واستمرارية الصمت عن جرائمها ستعني أن هذه العصابة الكهنوتية لن تقف عند حدود المسجد، بل ستمتدّ إلى كل مؤسسة فكرية وثقافية وتربوية في البلاد وإلى الإنسان بحد ذاته.

آخر الأخبار