الاعتراف المتأخر بمقتل الغماري.. مناورة حوثية للهروب من السلام في اليمن
الناقد نت - خاص
اعترفت مليشيا الحوثي الإرهابية، الخميس، بمقتل رئيس هيئة الأركان في صفوفها اللواء الركن محمد عبد الكريم الغماري، الذي يُعد الرجل الثاني بعد زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي، بعد أكثر من شهر ونصف على إعلان إسرائيل استهدافه في عملية دقيقة أواخر أغسطس الماضي.
وجاء الاعتراف عبر وكالة الأنباء اليمنية بنسختها الحوثية (سبأ)، التي وصفت الغماري بـ«القائد الجهادي الكبير» دون تحديد زمان أو مكان مقتله، مكتفية بالإشارة إلى أنه قُتل خلال “غارات العدوان الأمريكي الصهيوني على اليمن” في سياق ما تسميه الجماعة “معركة طوفان الأقصى”.
ويرى مراقبون أن تأخر الحوثيين في الإعلان لم يكن عفوياً، بل جزء من مناورة سياسية تهدف إلى تهيئة بيئة جديدة للهروب من مسار السلام، في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية لإحياء التسوية السياسية في اليمن. فالمليشيا اختارت أن تعلن مقتل أبرز قادتها العسكريين في لحظة إقليمية حساسة، لتعيد توجيه الأنظار نحو “عدو خارجي” وتؤجل أي حديث عن مفاوضات أو التزامات داخلية.
اختلاق معركة خارجية لتغطية الضعف الداخلي
منذ إعلان إسرائيل استهداف الغماري في 29 أغسطس 2025، التزمت المليشيا الصمت، وتجنبت الرد أو النفي، رغم أن وسائل إعلام إسرائيلية أكدت آنذاك نجاح العملية. ويعتقد محللون أن الحوثيين أجّلوا الإعلان حتى يتمكنوا من توظيف الحدث في خطاب تعبوي جديد ضد إسرائيل، وتقديمه على أنه “جزء من معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس”، بدلاً من الاعتراف بالاختراق الاستخباراتي الكبير الذي كشف هشاشتهم الأمنية.
ويشير بعض الصحفيين إلى أن الجماعة تعمدت ربط مقتل الغماري بمعركة “طوفان الأقصى” في غزة، لتبرير استمرارها في الحرب وتعبئة مقاتليها تحت شعار “نصرة فلسطين”، بينما الهدف الحقيقي هو الهروب من استحقاقات السلام وإبقاء اليمن في حالة حرب دائمة.
الغماري.. الذراع العسكرية الأقوى للحوثي
يُعد محمد عبد الكريم الغماري أحد أبرز قادة الحوثيين الميدانيين، ونائب عبدالملك الحوثي في ما يسمى “المجلس الجهادي”، وهو المسؤول المباشر عن التخطيط للهجمات ضد السفن في البحر الأحمر وإدارة عمليات الصواريخ والطائرات المسيرة. وقد شكل مقتله ضربة قاسية للجناح العسكري للجماعة، الأمر الذي دفعها إلى تأجيل الاعتراف لحين ترتيب الصفوف.
تعبئة داخلية وتحدٍ خارجي
تضمّن بيان المليشيا أرقامًا مبالغًا فيها لعملياتها العسكرية – قالت إنها نفذت 758 عملية و1835 صاروخًا ومسيرة – في محاولة لتأكيد أن قدراتها لم تتأثر بمقتل أحد أبرز قادتها.
لكن هذه الأرقام، وفق محللين، تهدف بالدرجة الأولى إلى رفع المعنويات وتوجيه رسالة لإسرائيل وأمريكا بأن الجماعة ما زالت قادرة على الرد، رغم الخسائر في صفوفها القيادية.
الهروب من السلام
تزامن الاعتراف الحوثي بمقتل الغماري مع تحركات دولية متزايدة لإحياء مسار السلام في اليمن، وهو ما تعتبره الجماعة تهديدًا لسلطتها. لذلك يُنظر إلى توقيت الإعلان كجزء من استراتيجية للهروب من أي التزامات تفاوضية، عبر إشعال معركة جديدة مع إسرائيل لتبرير استمرار الحرب، وإبقاء البلاد تحت مناخ التعبئة والتوتر.
في المحصلة، يبدو أن الغماري قُتل في معركة فعلية، لكن إعلان مقتله جاء لخدمة معركة سياسية أخرى؛ معركة يريد الحوثيون من خلالها تثبيت بقائهم، والهروب من أي سلام قد يُنهي نفوذهم في اليمن.