معهد الشرق الأوسط: المنظمات الدولية تقع في فخ الحوثيين وتمنحهم شرعية السيطرة على اليمن
الناقد نت - قسم المتابعة والترجمة
حذّر معهد الشرق الأوسط ، وهو مركز أبحاث أمريكي مقره واشنطن، من أن عدداً من المؤسسات والمنظمات الدولية باتت تُسهِم، عن قصدٍ أو دون قصد، في ترسيخ سيطرة مليشيا الحوثي على اليمن، من خلال تعاملها غير المشروط مع الجماعة تحت غطاء “العمل الإنساني”، وهو ما منحها غطاءً سياسيًا وشرعيةً بحكم الأمر الواقع.
وقال المعهد في تحليلٍ نُشر مؤخرًا إن الحوثيين تمكنوا، على مدى السنوات الماضية، من تسليح العلاقات الإنسانية والدبلوماسية لصالحهم، محذرًا من أن الانخراط الدولي غير المشروط، خصوصًا من الأمم المتحدة ووكالاتها، "لا يُصلح الحوثيين، بل يقوّيهم، ويمنحهم مزيدًا من الشرعية والثقة داخليًا وخارجيًا".
وأشار التحليل إلى واقعةٍ حديثة كشفت هذا النمط، حيث التقت رئيسة بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في صنعاء بمسؤول في خارجية الحوثيين بعد أيام من الغارات الإسرائيلية التي أودت بحياة عدد من وزراء الجماعة، وقد نقل الإعلام الحوثي تصريحاتٍ نُسبت إليها تضمنت “تعازي” و”تضامنًا مع اليمن”، دون أن تتمكن المنظمة من نفي تلك التصريحات علنًا خوفًا من فقدان الوصول الميداني أو تعريض موظفيها للخطر.
وأوضح المعهد أن صمت المنظمات الدولية أمام تزييف الرواية يمنح الحوثيين مظهر “الحكومة الشرعية” ويُستخدم لتعزيز مكانتهم في الداخل والخارج.
وأضاف أن المجتمع الدولي أسهم سابقًا في ترسيخ سلطة الحوثيين، مستشهدًا باتفاق ستوكهولم عام 2018، الذي جُمّد بموجبه الهجوم الحكومي لاستعادة الحديدة بحجة “منع الكارثة الإنسانية”، وهو ما مكّن الجماعة من تثبيت سيطرتها على الميناء، الذي تحول لاحقًا إلى منصة لشن أكثر من 130 هجومًا على السفن في البحر الأحمر.
وبيّن معهد الشرق الأوسط أن المنظمات الإنسانية الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي، تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين ضمن إطارٍ تفرضه الجماعة، إذ تُدار برامجها من خلال وزارات تابعة لها وتُوزّع المساعدات عبر شبكاتها المحلية، ما يجعل تلك المساعدات "رهينة بأيدي الميليشيا" التي توظفها لتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي.
ولفت المعهد إلى أن الحوثيين يبتزون الوكالات الدولية عبر خلق أزمات متعمدة، مثل احتجاز موظفين أمميين أو سرقة المساعدات، ثم يعاودون التفاوض حول استئناف العمل الإنساني بشروطٍ تمنحهم مزيدًا من السيطرة، في نمطٍ متكرر يهدف إلى تحويل المساعدات إلى وسيلة ضغط سياسية واقتصادية.
وأكد التقرير أن ادعاء المجتمع الدولي بعدم وجود بدائل لتقديم المساعدات خارج مناطق الحوثيين "زائف تمامًا"، مشيرًا إلى أن الحكومة اليمنية تسيطر على مساحات واسعة يمكن عبرها إيصال الدعم الإنساني دون عرقلة، غير أن الوكالات الأممية تفضّل التعامل مع "السلطة القائمة" في صنعاء، مما يكرّس هيمنة الحوثيين.
وفي سياق متصل، أوضح المعهد أن الحوثيين حوّلوا احتجاز العاملين الإنسانيين إلى أداة ابتزاز سياسي، بعد اعتقال أكثر من 60 موظفًا محليًا ودوليًا منذ مايو 2024، بينهم 13 من الأمم المتحدة، مستخدمين تهم “تجسس” ملفّقة لابتزاز المنظمات والمجتمع الدولي.
وأضاف أن الحوثيين أصبحوا يتعاملون مع الأمم المتحدة كطرفٍ يمكن الضغط عليه، وليس كجهةٍ رادعة، حيث صرّح كبير مفاوضيهم محمد عبدالسلام بأن الإفراج عن موظفي الأمم المتحدة مرتبط بتقدمٍ في خارطة السلام، وهو ما اعتبره المعهد "ربطًا متعمدًا بين ملفات إنسانية وسياسية لا علاقة بينها".
ورأى معهد الشرق الأوسط أن استراتيجية المجتمع الدولي القائمة على "الانخراط دون محاسبة" تشجّع الحوثيين على التمادي، موضحًا أن التجارب في لبنان وغزة واليمن أظهرت أن الانخراط الدبلوماسي غير المشروط يُفضي إلى شرعنة الجماعات المسلحة لا إلى احتوائها.
وختم المعهد الأمريكي تحليله بالقول إن “اليمنيين سيجدون أنفسهم في نهاية المطاف وحدهم، يعيشون تحت سلطة ميليشيا ساعد العالم، عن قصدٍ أو عن غفلة، في ترسيخها”، داعيًا إلى مراجعة شاملة لآليات العمل الدولي في اليمن لضمان أن المساعدات لا تتحول إلى وقودٍ لبقاء المليشيات، بل وسيلةً فعليةً لإنقاذ المدنيين ودعم الدولة اليمنية الشرعية.