بحث

علي حسين الحوثي.. بين مقاعد القوة ومقصلة الصراع (تحليل)


الاثنين 10/نوفمبر/2025 - الساعة: 12:27 ص

الناقد نت - محمود الطاهر


منذ لحظات الارتباك الأولى التي تلت موجة الضربات الجوية والهزّات القيادية في صفوفها، دخلت بنية قيادة المليشيا الحوثية مرحلة إعادة ترتيب داخلية حادة، وفي قلب هذا المشهد يقف علي حسين بدر الدين الحوثي، الرجل الذي يراوح بين طموح وراثة النفوذ ساعيًا لبناء جهاز أمني موازٍ استعدادًا لتصفية كل الأجنحة، والإنفراد بزعامة الجماعة كحق إلهي يزعمها وراثة لوالده الهالك مؤسس الجماعة. 

لعبة الوراثة والرسائل الداخلية
علي حسين يتصرف كمرشح عملي لوراثة مركز صنع القرار داخل الحركة، خطاب قوي، عمليات أمنية بارزة، وترويج لإخراج “إنجازات” عبر بيانات وعمليات مسرحية، لكنّ ما يبدو إنجازاً يخفي غالباً هدفين متلازمين، أولاً، تضييق هامش المناورة أمام أجنحة مغايرة داخل الصفّ؛ وثانياً، إرسال إشارة لطهران والداعمين الإقليميين بأنه القائد القادر على تأمين استقرار بنية السلطة.

المشكلة أن هذا الأسلوب يولِّد ردود فعل مضادة داخلية، مسؤولون قدامى يشعرون بالإقصاء، قيادات ميدانية ترى في بناء الأجهزة الموازية تهديداً لمواقعها، وكتل قبلية وسياسية قد تفقد رصيدها لدى القيادة، كل ذلك يرفع منسوب الشكّ والهلع داخل هياكل القرار، ويجعل الولاءات قابلة للانقسام السريع عند حدوث أي هزة إضافية.

أجهزة موازية وصراع السيطرة الميداني
التحوّل الأبرز الذي يقوده علي حسين هو الميل إلى مركزية الملف الأمني، من خلال إنشاء وحدات استخباراتية وإجراءات قضائية سريعة (محاكمات، اتهامات بالتجسس)، وتوظيف الأمن الداخلي كأداة لترسيخ الولاء، وهي خطوة تخدم السيطرة قصيرة المدى، لكنها تفتح جبهة مواجهة مع القيادات الميدانية التي تعتمد شبكات ولاء محلية ومصالح إقليمية خاصة بها.

بناء أجهزة موازية يقلّص من قدرة القيادة العليا على ضبط الانشقاقات الميدانية، لأن الأجنحة العسكرية قد تؤسس لقواعد سلطة محلية (قادة ألوية، مشرفون إقليميون) تشعر الآن بأنها معرضة للإقصاء أو الاعتقال، وسيناريو يخلق احتمالين، الأول، انشقاقات ميدانية شكلية تقود لاحتكاكات مسلحة محدودة، الثاني، توترات طويلة المدى تُضعف قدرة الجماعة على أداء دورها السياسي والعسكري الموحد.

علي حسين لا يعمل في فراغ؛ قراراته تتقاطع مع حساسية طهران بشأن ثبات حلفائها والقدرة على إدارة ملفات مواجهة إقليمية، فطهران تفضل عادة قيادة متوازنة قادرة على الحفاظ على قواعد الدعم المحلي وعدم إشعال صراعات داخلية قد تقوّض فاعلية الجماعة، ومحاولات علي حسين للتمايز، سواء عبر تحكّم أمني أقوى أو استعراض إنجازات ضد ما يسميهم “العملاء” ، قد تُقلق داعميه الإيرانيين، خصوصاً إذا رأوا في أساليبه مخاطرة تفقدهم أدوات النفوذ المحلي.

في الوقت نفسه، طهران قد توازن بين أجنحة داخلية، دعم قيادة قوية قادرة على الانضباط مقابل توخّي الحذر من استبداد يقود لتمزق داخلي،، هذا التوازن الهشّ يفسح المجال أمام لاعب مثل علي حسين ليتحرك، لكنه أيضاً يعرضه لمخاطر عزلة في حال شعر عبدالملك الحوثي أنه يهدد كرسيه، أو فشل سياساته الداخلية أو تكاتفت بقية الأجنحة ضده.

غير أن من خلال مراقبة سلوك القيادة الأخيرة وسلسلة الإجراءات القضائية والأمنية، تبرز نقاط ضعف يمكن أن تؤدي إلى تفكك داخلي تدريجي، من خلال محاولة فرض مركزية أيديولوجية التى قد تتصادم مع مصالح قبلية ومناطقية متجذرة.

سيناريوهات محتملة
السيناريو الأول، قد ينجح علي حسين ينجح مؤقتاً في إحكام قبضته من خلال مزيج من الإقالات والملاحقات الأمنية، لكنه يُبقي على توازن أهلي مع بعض القادة الميدانيين بتنازلات مالية وسياسية، والنتيجة هي وجود استقرار هشّ يطول لسنوات لكنه يظل عرضة للصدمات.

السيناريو الثاني، ظهور انشقاقات في صفوف القيادات الميدانية تؤدي إلى بروز قوى محلية مُسلحة ذات ولاءات متباينة، ما ينتج صراعات مسلحة محلية وتقويض للقدرة المركزية.

السيناريو الثالث، طهران أو فاعل إقليمي آخر يضغط لتسوية داخلية، إما عبر دعم مرشح بديل أو فرض آلية حكم تشاركي مؤقتة — لتجنب انهيار يؤدي إلى فراغ استغله خصوم إقليميون.

آثار على العمل الإنساني
استمرار سياسات إقصاء العاملين الإنسانيين واتهامات التجسس يضر بعمليات الإمداد ويقلص شفافية الخلايا التنفيذية للمعونات، ما قد يدفع المانحين لتقليل التمويل أو توجيهه لمناطق خارج السيطرة الحوثية، وهذا من شأنه أن يهز الموازنة الاجتماعية داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة ويزيد الاحتقان الداخلي، ما بدوره يغذي مظاهر الاستياء التي تُضعف قاعدة دعم الجماعة.


ختامًا علي حسين بدر الدين الحوثي يراهن اليوم على مركزية القرار الأمني كطريق لتأكيد النفوذ، لكن التاريخ السياسي للحركات المماثلة يُظهر أن بناء السلطة على أجهزة قمع مفرطة ومحاكمات استعراضية لا يضمن الاستقرار؛ بل يسرع التصدع عندما تفتقد المؤسسات شرعية داخلية وحلفاء محليين متينين. 

المشهد الراهن يفتح نافذة ثمينة أمام الجهات الدولية والإعلامية لاستغلالها لصالح كشف الحقائق وإضعاف بنى القوة العنيدة — ليس عبر التحريض المباشر، بل عبر استراتيجية معلوماتية وسياسية وقانونية متكاملة تكشف تناقضات قيادة لا تزال تحاول فرض إرادتها على واقع بات أقلّ طاعة وأكثر هشاشة.

متعلقات:

آخر الأخبار