بحث

كابوس سوريا يطارد الحوثيين... وإيران تدخل على خط الانهيار


الأحد 16/نوفمبر/2025 - الساعة: 9:34 م

الناقد نت - محمود الطاهر

في ذروة صراعٍ محموم داخل أجنحة مليشيا الحوثي، وبعد سلسلة الاتهامات المتبادلة التي تفجّرت عقب الاختراق الإسرائيلي النوعي، دخلت إيران على خط الأزمة محاوِلة منع تحوّل الخلافات الداخلية إلى انهيار شامل في بنية ذراعها في اليمن. 

وبحسب مصادر سياسية مطلعة، فقد كلفت طهران أحد أخطر أدواتها في اليمن، عبدالرضا شهلائي، بإدارة "مرحلة إنعاش عاجلة" تهدف إلى إعادة ضبط موازين القوى داخل المليشيا وإغلاق الثغرات التي أدى إليها الاختراق الأخير.

يكشف هذا التطور عن مرحلة حرجة تمر بها مليشيا الحوثي، تتسم بتصدعات داخلية عميقة وتدخل إيراني طارئ لإدارة أزمة بنيوية تهدد وجود الجماعة.

الاختراق الإسرائيلي الذي أودى بحياة رئيس الأركان الحوثي عبدالكريم الغماري لم يكن مجرد ضربة عسكرية، بل كشف عن اهتزاز المنظومة الأمنية للمليشيا وانعدام الثقة بين قياداتها.

جنرال الإنقاذ يعود
عودة شهلائي إلى صنعاء، بعد فترة غياب أعقبت أحداث 7 أكتوبر، لا تُقرأ كتحرك عابر، بل كـ"عودة جنرال الإنقاذ" الذي استدعته طهران خصيصًا للتعامل مع الارتباك الخطير داخل المليشيا، وبمجرد وصوله، باشر شهلائي عملية "جرد للمراكز الحساسة" وتقييم مستوى الاختراق، في وقت أعاد فيه المجلس الجهادي الحوثي توزيع الأدوار وحصر المناصب الحساسة في دائرة ضيقة.

عودة الذراع الإيرانية الضاربة في اليمن تمثل اعترافاً ضمنياً من طهران بخطورة الوضع وحاجتها الماسة لإعادة ترتيب البيت الحوثي قبل انهياره الكامل. 

التركيز على صعدة وإعادة توزيع المناصب الحساسة يعكس حالة ذعر حقيقية، خاصة مع بروز صراعات نفوذ داخلية في توقيت يبدو فيه عبدالملك الحوثي أضعف من أي وقت مضى.

خارطة الطريق كدرع ضد الانهيار
في معقل المليشيا الرئيسي بصعدة، تم تسليم المخازن الاستراتيجية والمعسكرات السرية لشخصيات مختارة بعناية، بإشراف مباشر من عبدالملك الحوثي، وهي خطوة تعكس حالة ذعر داخل الجماعة، المخاوف داخل صعدة لا تتعلق فقط بالضربة الإسرائيلية، بل أيضًا بصراع النفوذ الذي تصاعد بشكل غير مسبوق، وسط انعدام الثقة بين مراكز القوة.

في المقابل برز التصعيد المفاجئ في الخطاب الحوثي المطالب بتوقيع خارطة الطريق مع السعودية يكشف حجم الأزمة الداخلية. 

يقول محللون عسكريون إن "التصعيد الخطابي تكتيك دفاعي بامتياز، لكون أن المليشيا تدرك ضعفها الداخلي وتحاول استباق أي عملية عسكرية محتملة بإجبار السعودية على توقيع اتفاق يمنحها شرعية سياسية ويعزل القوات الحكومية."

ويضيف مراقبون سياسيون أن "الحوثي يستخدم السعودية كـ'درع' ضد الانهيار، أي اتفاق مع الرياض سيمنح المليشيا وقتاً ثميناً لإعادة ترتيب صفوفها ويضع عراقيل أمام أي تحرك حكومي لاستعادة المناطق المحتلة.

" السياق الإقليمي يزيد من تعقيد المشهد، سقوط بشار الأسد في سوريا وانهيار حزب الله في لبنان أوجدا نموذجاً مخيفاً للميليشيات الإيرانية، وأشعلا أملاً لدى  اليمنيين إن كان بإمكانية تكرار السيناريو في تحرك القوات الحكومية اليمنية، وهو ما جعلت المليشيا تنطلق في عدة اتجاهات لمنع ذلك أن يتكرر.

ومن ذلك الحشود العسكرية المفاجئة على الحدود السعودية التي لن تكون  مجرد استعراض قوة، بل رسالة ابتزاز واضحة، يرى خبراء استراتيجيون أنها رسالة ابتزاز للسعودية، إما التوقيع على خارطة الطريق الحوثية، أو مواجهة تصعيد على الحدود، لكنها أيضاً محاولة لإظهار قوة وهمية في الخارج بينما الداخل ينهار.

ويعلق محللون عسكريون قائلين، إن "نقل القوات إلى الحدود له وظيفة أخرى، إبعادها عن الجبهات الداخلية حيث قد تواجه القوات الحكومية، إنها إعادة انتشار تبدو هجومية لكنها دفاعية في جوهرها.

الحوثي يدرك أن السعودية لا تريد عودة الحرب، فيستغل هذه النقطة لأقصى حد، بينما يخفي حقيقة الانهيار الداخلي خلف ستار من الضجيج الإعلامي والعسكري.

أرقام خيالية تكشف حجم الذعر
التهديد بحشد ثلاثة ملايين مقاتل قبلي يكشف، وفق باحثين في الشأن القبلي، حجم الهلع الداخلي، دلى المليشيا. 

"الخطاب القبلي المبالغ فيه يكشف حجم الهلع، عندما تلجأ مليشيا إلى تهديدات رقمية خيالية، فهذا يعني أنها تفتقد للقوة الفعلية، القبائل اليمنية ليست تحت سيطرة الحوثي كما يدّعي، وكثير منها ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليه.

ويضيف مختصون سياسيون أن "التوقيت مرتبط بسقوط الأسد وضرب حزب الله والضربة الإسرائيلية العنيفة التي أودت بكبار القادة العسكريين. 

الحوثي يحاول إرسال رسالة 'رادعة' لأي طرف يفكر في تكرار السيناريو السوري، لكن التهديدات الضخمة غالباً ما تكون علامة على الضعف لا القوة، والأرقام الفلكية والتصريحات النارية تصبح الملاذ الأخير لمن يشعر بأن الأرض تنزلق من تحت قدميه.

التحصينات في إب والأنفاق
بناء التحصينات العسكرية في جبال إب وإنشاء معسكرات تحت الأرض يمثل، بحسب خبراء عسكريين، "اعترافاً صريحاً بالخوف من عملية عسكرية واسعة.

بناء التحصينات والأنفاق يشبه ما فعله حزب الله قبل انهياره، وما فعله تنظيم داعش في مراحله الأخيرة،  استعدادات لحرب دفاعية طويلة، وهذا يعني أن المليشيا لا تفكر في الهجوم بل في البقاء."

ويقول محللون استراتيجيون إن "اختيار إب بالذات له دلالة على إنها منطقة استراتيجية وعمقها الجبلي يوفر حماية طبيعية، لكن الاستثمار في البنية التحتية الدفاعية يستنزف الموارد ويشير إلى انتقال المليشيا من مرحلة 'المبادرة' إلى مرحلة 'الحفاظ على الوجود'." 

هذا التحول الاستراتيجي من الهجوم إلى الدفاع يعكس إدراك المليشيا لحجم التهديد الوجودي الذي تواجهه.

شبح الأسد يطارد الحوثي
يؤكد مراقبون سياسيون أن "السيناريو السوري كابوس حقيقي للمليشيا، فسقوط الأسد خلال أيام معدودة بعد انهيار حزب الله الذي كان يدافع عنه في الارض، أثبت هشاشة الأنظمة المدعومة إيرانياً، والحوثي يرى نفسه في نفس المعادلة، بعد الضربات الإسرائيلية العنيفة التي كادت أن تؤدي إلى إنهيار كامل.

ويضيف خبراء عسكريون أن "الفارق أن سوريا شهدت عملية عسكرية منظمة من جبهات متعددة، غير أن القوات الحكومية في اليمن قادرة على ذلك لكنها تحتاج دعماً خليجياً ودولياً، وفي نفس الوقت تخوف الحوثي ليس وهمياً، لكن تحققه يعتمد على إرادة دولية وإقليمية." 

الدروس المستفادة من سوريا واضحة، الميليشيات المدعومة إيرانياً أقوى في الظاهر مما هي عليه في الحقيقة، وانهيارها قد يكون مفاجئاً وسريعاً.

يقول محللون عسكريون  إن "الانهيار ليس عسكرياً بالمعنى التقليدي، بل هو انهيار أمني وتنظيمي من الداخل، والاختراق الإسرائيلي أثبت أن المنظومة الأمنية مخترقة، وهذا أخطر من الهزيمة العسكرية، عندما لا تثق قيادات المليشيا ببعضها، فإن أي ضغط خارجي قد يؤدي لانهيار متسارع."

ويوضح مختصون سياسيون أن "الحوثي لا يزال يسيطر على مناطق واسعة ويمتلك قدرات عسكرية، لكن معنوياته منهارة، وما يحدث شبيه بـ'هشاشة داخلية' قد لا تظهر حتى تبدأ أول معركة حقيقية. 

التاريخ مليء بجيوش بدت قوية ثم انهارت عند أول اختبار حقيقي، والصراعات الداخلية بين القيادات، وصعود نجم حسين الحوثي ابن المؤسس، وانعدام الثقة الأمنية، كلها عوامل تنخر في جسد المليشيا من الداخل.

كسب الوقت بأي ثمن
يؤكد مراقبون استراتيجيون أن "إيران تعلمت من التجربة السورية أن الوقت ليس في صالحها، وأن كل يوم تأخير للقوات الحكومية يمنح طهران فرصة لإعادة هيكلة المليشيا وسد الثغرات. 

وبحسب مراقبون، فإن الضغط الحوثي على السعودية هدفه تحييدها وعزل الحكومة الشرعية، وهذا تكتيك إيراني قديم، تجميد الصراعات عند نقاط ضعف حلفائها."

ويضيف خبراء سياسيون أن "الاستراتيجية الإيرانية واضحة في كسب الوقت، وكل ما يمر وقت دون عملية عسكرية حكومية هو وقت إضافي لإعادة بناء قدرات الحوثي، لذلك فإن التحرك السريع للحكومة الشرعية والتحالف سيكون حاسماً، فالنافذة إذا كانت مفتوحة في الوقت الحالي، لن تبقى كذلك مطولا.

إيران لا تعمل اليوم على تقوية الحوثيين بقدر ما تحاول منع سقوطهم من الداخل، بعدما تسبب الاختراق الإسرائيلي في ضرب الركيزة الأخطر داخل الجماعة: الثقة الأمنية، ولأن المشهد داخل صنعاء يقترب من مرحلة "تفكك صامت"، فإن عودة شهلائي تمثل محاولة إيرانية لفرملة الانهيار، وإعادة تشكيل القيادات بما يضمن بقاء الجماعة تحت السيطرة التامة للحرس الثوري، حتى وإن أدى ذلك إلى التضحية ببعض الرموز.

لحظة فارقة قد تحدد مستقبل اليمن
تواجه مليشيا الحوثي أخطر أزمة وجودية منذ سيطرتها على صنعاء في 2014، والاختراق الإسرائيلي كشف هشاشة المنظومة الأمنية، وأطلق صراعات نفوذ داخلية، ودفع إيران للتدخل الطارئ عبر شهلائي لمنع الانهيار الكامل، والسياق الإقليمي، خاصة سقوط الأسد وضرب حزب الله، خلق نموذجاً مخيفاً للمليشيا وفرصة استراتيجية للقوات الحكومية.

التصعيد الحوثي على كافة المستويات، من الخطاب إلى الحشود والتهديدات والتحصينات، ليس علامة قوة بل مؤشر على ذعر داخلي وانتقال من موقف المبادرة إلى موقف الدفاع. الضغط على السعودية والخطاب القبلي المتشنج يهدفان لكسب الوقت وتحييد الأطراف الإقليمية قبل تحرك عسكري حكومي محتمل.

الوضع الحالي يمثل أضعف لحظة للحوثي منذ سنوات، لكن هذه النافذة قد تُغلق خلال أشهر إذا نجحت إيران في إعادة الهيكلة.

دور السعودية سيكون حاسماً في المعادلة، إذا رضخت الرياض للضغوط ووقعت اتفاقاً، فستمنح المليشيا شرعية ووقتاً ثميناً، وإذا رفضت ودعمت الحكومة الشرعية، قد تتسارع وتيرة الانهيار الحوثي بشكل دراماتيكي.

القبائل اليمنية المترددة قد تنقلب بسرعة إذا شعرت بضعف الحوثي، وهذا ما يفسر الخطاب القبلي المبالغ فيه للمليشيا، فالتاريخ اليمني يشهد على أن القبائل تميل دائماً للطرف الأقوى، وأي إشارة واضحة على ضعف المليشيا قد تؤدي إلى تحولات سريعة في الولاءات.

الاستراتيجية الإيرانية الحالية تكشف عن حقيقة مرّة لطهران، إنها في وضع إدارة أزمات لا بناء قوة، وهدفها منع الانهيار الفوري وليس تحقيق انتصارات، وهذا اعتراف ضمني بتراجع نفوذها في المنطقة بعد الضربات المتتالية التي تلقتها في لبنان وسوريا.

الخلاصة
المشهد اليمني يمر بلحظة فارقة قد تحدد مسار الصراع للسنوات القادمة، والتحرك الحكومي السريع بدعم إقليمي ودولي قد يستثمر هذه الهشاشة الحوثية ويحسم الصراع لصالح الشرعية، بينما التردد والانتظار سيمنح إيران الوقت الكافي لإنقاذ ذراعها اليمنية من الانهيار الكامل، وربما إعادة بنائها بشكل أقوى وأكثر تماسكاً.

المعركة الحقيقية اليوم ليست على الأرض فقط، بل هي معركة على الزمن، من يكسب الوقت يكسب المعركة، إيران تعرف ذلك جيداً، والسؤال الذي طيرح نفسه بشكل ملح هل تدرك القوى الإقليمية والدولية حجم الفرصة المتاحة قبل أن تضيع؟

متعلقات:

آخر الأخبار