بحث

الاقتصاد اليمني بين التشتت والسيادة

رياض الاكوع

من يملك السيطرة على الدورة النقدية؟

الأزمة الاقتصادية في اليمن لم تعد مسألة موارد محدودة أو بنية تحتية مدمَّرة فحسب، بل أصبحت تعبيرًا صارخًا عن غياب السيطرة الوطنية على أهم مفاصل الدورة النقدية. فالمؤسسات الإيرادية الكبرى ــ من الضرائب والجمارك إلى النفط والغاز والمصافي وصافر وبترومسيلة ــ تمثل وحدها أكثر من ثمانين في المئة من حجم السيولة المتداولة في البلاد. هذه الحقيقة البسيطة تحمل في طياتها نتيجة بالغة الوضوح: من يسيطر على هذه المؤسسات يسيطر على الاقتصاد.

لكن ما يحدث اليوم هو أن هذه الجهات تواصل الاحتفاظ بحساباتها موزَّعة بين البنوك التجارية والإسلامية وشركات الصرافة. والنتيجة المباشرة هي شلل السياسة النقدية، وحرمان البنك المركزي من أهم أدواته في إدارة السيولة والتحكم في التضخم واستقرار سعر الصرف. لقد تحولت هذه الحسابات إلى ما يشبه الجزر المنعزلة، لكل منها مصالحه وحساباته الخاصة، دون أن تتقاطع مع المصلحة الوطنية العليا.

إن الحل هنا لا يحتاج إلى تنظير طويل: إعادة توحيد الحسابات في البنك المركزي. خطوة واحدة لكنها كفيلة بإعادة الاعتبار للمؤسسة النقدية كجهة سيادية، وبتحرير السياسة الاقتصادية من الارتهان للفوضى المالية.

فوائد هذه الخطوة لا تقف عند حدٍّ واحد؛ فهي تفتح الباب أمام بناء موازنة عامة حقيقية وشفافة، وتضمن دفع رواتب الموظفين بانتظام، وتعيد الثقة المفقودة بين المواطن والدولة، وتوقف النزيف النقدي الناتج عن المضاربات، وتضع أهم القطاعات الإيرادية تحت رقابة مباشرة.

الإصلاح الاقتصادي ليس خطابًا للاستهلاك العام، بل قرارًا سياسيًا شجاعًا يعيد تجميع القوة المالية في قبضة الدولة. فإما أن يُدار الاقتصاد برؤية موحَّدة، أو يبقى أسير التجاذبات والمصالح الضيقة.

إنها ليست معركة مالية مجردة، بل معركة سيادة وطنية بامتياز، تعادل في أهميتها معركة التحرير السياسي والعسكري. فالاقتصاد هو الجبهة التي تحدد في نهاية المطاف قدرة الدولة على الصمود والبقاء.

آخر الأخبار