في خضم الأحداث المتسارعة التي يشهدها اليمن، يتكرر القصف الأمريكي على منشآت حيوية ومواقع مدنية، فيما تصب بعض الأطراف المحلية جام غضبها وسخطها كالعادة من يسمونهم متعاونين وعملاء للخارج
متناسين ومتجاهلين انهم الفاعل الحقيقي والمتسبب في كل ما آلت اليه البلد من دمار وخراب منذ العام 2014
والغريب أن الغريم معروف للجميع: الطائرات الأمريكية التي لا تفارق سماء اليمن صباحًا ومساءً، نثرًا للنار والدمار.
يتساءل البعض بمرارة: من المسؤول الحقيقي عن كل ما حلّ باليمن من خراب ودمار؟ هل هم أولئك الذين ينتقدون التصعيد غير المدروس؟ أم أن اللوم يقع على من زجّ بالبلاد في مواجهة غير متكافئة، واستعدى العالم باستهداف مصالح كبرى في البحر الأحمر، ثم عاد ليتباكى على الضربات الجوية التي طالت الموانئ والمطارات ومحطات الطاقة داخل اليمن؟
من منظور القانون الدولي، فإن الدول تعتبر أن من حقها الدفاع عن مصالحها الحيوية والرد بالمثل على أي هجمات، خصوصًا حين يُعلن منفذوها صراحة أنهم استهدفوا منشآت مدنية واقتصادية في البحر الأحمر. فكيف إذن يمكن تسويق هذه الحرب إعلاميًا على أنها "عدوان أمريكي على أهداف مدنية"، بينما البداية كانت باستهداف مماثل لتلك النوعية من الأهداف؟
وحين يُقال إن هذه الأعمال تأتي "دفاعًا عن غزة"، فإن السؤال المنطقي يطرح نفسه: لماذا تُستهدف منشآت مدنية في البحر بينما تقف مئات المواقع العسكرية الإسرائيلية الحقيقية على الأرض الفلسطينية دون مساس؟ أم أن المعركة اختيرت لتكون حيث العدو أضعف ردعًا، لا حيث هو أشد ضررًا؟
لقد فشلت الصواريخ المستخدمة في هذه المواجهات في تحقيق أهدافها بدقة، وانعدم وجود منظومات دفاع جوي قادرة على حماية الأراضي اليمنية، ما جعل الرد الأمريكي كلفته باهظة على البنية التحتية اليمنية. والنتيجة أن لا فلسطين سُلّمت من الاحتلال، ولا اليمن نجا من الدمار.
والمثير للسخرية أن هناك من يبرر هذا الواقع المؤلم بشعارات مثل "يكفينا شرف المحاولة" أو "دفعنا ثمن مواقفنا مع غزة"، وكأن الدمار والدماء شرف لا يُنازع. الحقيقة أن المواقف المسؤولة تُبنى على حكمة وتخطيط، لا على ردود أفعال تدفع الشعوب ثمنها غاليًا.
كان لدى بعض الأطراف خيارات أخرى، فقد كان بإمكانهم الذهاب إلى جبهات حقيقية ضد إسرائيل من حدود لبنان أو سوريا، حيث المعركة أوضح، والخطاب منسجم مع الفعل، لكن ما حدث هو العكس، حيث سافر الآلاف لتشييع نصر الله، بينما لم تُطلق رصاصة واحدة من تلك الحدود.
وها هو قطاع الاتصالات، أحد أعمدة الحياة المدنية، يدخل اليوم على خط الاستهداف، بعد أن حذر منه العقلاء مرارًا. وقد بدأت الضربات تتوالى على بنيته في عدة مناطق، ويبدو أن اليوم الذي يُعزل فيه اليمن عن العالم بات أقرب من أي وقت مضى.