في الوقت الذي أغرقت بعض الدول اليمن بالألغام والأسلحة المهربة والمخدرات، ضمن خطة لإبادة الشعب وإفساد شبابه، اختارت المملكة العربية السعودية طريق الحياة والبناء والدعم الإنساني غير المشروط، والتسهيلات المستمرة، والتأكيد على عمق العلاقة بين الشعبين الشقيقين ووحدة المصير.
لقد سخّرت السعودية كل إمكاناتها لإنقاذ الإنسان اليمني، فأنشأت مراكز وبرامج ومشاريع إنسانية منذ اليوم الأول للانقلاب، دون تمييز أو تسييس، ولم يكن مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وحده في هذا الميدان، بل كان إلى جانبه البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، فضلاً عن التسهيلات التي قدمتها المملكة لليمنيين في المنافذ، وداخل الوطن، وفي بلاد الغربة.
وكوني صحفياً متخصصاً في العلاقات السعودية–اليمنية، ومتابعاً لطبيعة الدور السعودي في اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، أستطيع القول بكل ثقة إن السعودية هي الداعم الرئيسي لليمن، وتعمل بصمت، بل وترفض حتى عرض ما تقدمه لوسائل إعلامها، وكثيراً ما يعتذر المسؤولون السعوديون عن الحديث الإعلامي حول هذه المشاريع، سواء من يعملون داخل اليمن أو من يشرفون عليها من المملكة.
ولا أقول إنني ألاحظ هذا السلوك اليوم فقط، بل هو نهج دائم، فقد التقيت بسفراء سعوديين سابقين، وآخرهم السفير محمد سعيد آل جابر، وعبّرت عن امتعاضي من عدم التجاوب معنا كإعلاميين لعرض ما تقدمه المملكة من دعم ومشاريع، وكان ردهم دائماً أن توجيهات القيادة تقتضي أن تكون الأولوية هي للإنسان اليمني، وأن العطاء نابع من الأخوة والمصير المشترك، دون منٍّ أو أذى، ونرفض استغلال حاجة الإخوة اليمنيين.
إنها السعودية، شريكة الشعب اليمني في الألم والأمل، فقد دفعت مليارات الدولارات لإنقاذ الاقتصاد اليمني، وتأهيل الشباب، ومنحهم الأولوية في سوق العمل، ولم يتوقف هذا الدعم يوماً، فهناك المئات من الشباب يتوافدون يومياً وغالبيتهم من مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين إلى المملكة بفيز عمل، بينما تواصل فرق مركز الملك سلمان للإغاثة، ومشروع «مسام» لنزع الألغام، عملها الميداني الإنساني بجهود سعودية – يمنية مشتركة.
وقد نفّذ مركز الملك سلمان (1107) مشروعاً في اليمن، بتكلفة إجمالية بلغت (4,648,650,822) دولار، شملت مجالات الصحة والإغاثة والتعليم والأعمال الإنسانية وغيرها، في حين نجح مشروع «مسام» في انتزاع أكثر من نصف مليون لغم، وتطهير أكثر من 69 مليون متر مربع من الأراضي اليمنية، لتكون المملكة الدولة الوحيدة التي لا تكتفي بتقديم المال، بل تعمل على الأرض لحماية اليمنيين وتأمين حياتهم من مخلفات الحرب.
أما البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، فقد نفّذ (264) مشروعاً تنموياً استهدف الإنسان اليمني بشكل مباشر، في شتى المجالات، ومنها بناء المدارس والمستشفيات والمستوصفات، إلى إنشاء الطرق والمساكن، وتوفير المياه، ودعم الجامعات والمعامل والمطارات ومصادر الدخل.
ولم يقتصر هذا الدعم على مناطق دون أخرى، بل شمل حتى المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، من خلال تمويل مباشر أو عبر منظمات دولية، ومن الأمثلة على ذلك: مستشفى السلام في صعدة بسعة 200 سرير، والمستشفى السعودي في حجة أيضاً بنفس السعة، ومستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن، الذي أصبح وجهة لكل اليمنيين من مختلف المحافظات للعلاج المجاني، بالإضافة إلى مدينة الملك سلمان الطبية في المهرة، والتي تضم جامعة ومستشفى متكاملًا، كما كان من المخطط إقامة مدينة الملك عبدالله الطبية في صنعاء، غير أن الانقلاب الحوثي حال دون تنفيذ المشروع.
وفي الشارع اليمني، وبعيداً عن المشهد السياسي، وبين البسطاء، تظل السعودية حاضرة في قلب ووجدان الإنسان اليمني، فهي الملجأ الآمن، والأمل المستمر التي يرى فيها اليمني ملاذاُ آمناُ، ويثق بها قيادةً وشعباً، ومنذ طفولته، يرتبط اليمني بالسعودية عاطفياً وإنسانياً، فهي التي وفرت له الغذاء، والتعليم، والعمل، والمأوى، وهي التي فتحت له أبوابها حين أوصدها الآخرون، ليكبر على حب المملكة، ويعتبرها الوجهة الأولى للعمل والمستقبل.
إن السعودية بالنسبة لليمني ليست مجرد «دولة مانحة»، بل بلد شقيق، وشريك في الحياة والمصير، تمد يدها لكل يمني دون اعتبار لانتمائه السياسي أو الجغرافي، ولا تستغل حاجته، ولا تسعى لتفكيك نسيجه، بل تعمل بصمت، وتبني، وتزرع الأمل لشعب تربطها به أواصر الأخوّة، والدم، والنسب، والمصير المشترك، والدين، والجغرافيا، وهذا يختلف جذرياً عن الأطراف الأخرى التي زرعت الموت والخراب، وسعت إلى تفكيك المجتمع اليمني، وتسميم شبابه بالمخدرات، ونشر الفقر والمجاعة.
في زمن اختلطت فيه الشعارات بالمصالح، وتكاثر فيه المتاجرون بالدم اليمني، تبقى السعودية نموذجاً مختلفاً، تقدم وتضحي وتبني، دون منٍّ أو أذى، وهي بذلك لا تكسب فقط احترام اليمنيين، بل تخطف قلوبهم بمحبتها، وصدق نواياها، وكرم عطائها.
هناك فرق كبير بين من يمد لك يده ليطعمك، ومن يمدها ليقتلك، والشعب اليمني، بفطرته، يعرف جيدًا من يحبه، ومن يكرهه، وأصبح يعلم جيداً أن السعودية هي بلده الثاني، الذي تشاركه في العمل والبناء والتنمية ورسم ملامح مستقبل أفضل.