في كل قرية وجبل وطريق ومزرعة ومنزل ومرفأ ومدرسة، هناك حكايات لا يعرفها إلا البسطاء من أبناء اليمن عن فريق مشروع «مسام» لنزع الألغام، رغم أن الحكايات والمعاناة تختلف باختلاف طبيعة المنطقة والإجرام الحوثي الذي لم يعرفه الإنسان اليمني إلا مع بروز هذه الجماعة المتطرفة التي دمرت كل شيء في بداية الألفية.
«مسام» ذلك المشروع السعودي الإنساني ولد من رحم المعاناة التي أستشعرها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، لينطلق في منتصف عام 2018، ويتمكّن منذ ذلك الحين من نزع 510,527 لغماً وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة، وتطهير أكثر من 69 مليون متر مربع من الأراضي اليمنية.
وقد كان له الدور البارز في إعادة الحياة ليس إلى المدن والمناطق الحضرية في اليمن فحسب، بل إلى الأرياف والقرى والمزارع والجبال أيضاً، ومنع كوارث إنسانية كادت أن تقع على رؤوس البسطاء من المدنيين، خصوصاً في ظل تفنن المليشيا الحوثية في زراعة الألغام والعبوات الناسفة،
واستخدام وسائل تمويه يصعب على الإنسان البسيط التعرف عليها، فما بالكم بالأطفال والنساء، وغالبيتهم أميون لا يدركون خطر هذه الألغام التي زرعها الحوثي في الحقول والطرق والمدارس، وحتى في أماكن لعب ولهو الأطفال، بأساليب إجرامية يصعب وصفها.
يحدثني أحد القادمين من أرياف محافظة شبوة عن الدور الذي يقوم به فريق «مسام» قائلاً: «لولا هذا المشروع السعودي الإنساني، لكان كثير من أطفالنا ونسائنا أشلاء، فبعد تحرير مناطقنا من الحوثي، سارع البعض للعودة إلى منازلهم.
وتفقدها، وكادت أن تقع الكارثة لولا التحذيرات والخطط السريعة التي أطلقها المشروع منذ اليوم الأول، إذ شاهدنا بأعيننا الفرق وهي تفكك شبكات الألغام في الطرق وداخل المنازل والمدارس بشجاعة لا نظير لها».
الحوثي بطبيعته لا يحترم الأشهر الحرم بما فيها رمضان، بل يزرع الألغام كل يوم هنا وهناك، ففي الساحل الغربي ومحافظة تعز حكايات لا نهاية لها عن دور أبطال مشروع «مسام» السعودي في تفكيك هذه الألغام التي تنوعت أشكالها بين الحجارة والشبكات وحقائب الزينة النسائية وألعاب الأطفال، وحتى زوارق الصيد التي جرى تفخيخها لحرمان الصيادين من إنقاذ أسرهم من الجوع.
لقد فخخ الحوثي قريةً كاملة بمنازلها في مديرية الخوخة، وكاد أن يتسبب في كارثة إنسانية لمئات الأسر التي فرحت بتحرير منازلها، لكنها وجدت نفسها أمام الرعب من شبكات الألغام التي أحاطت بالمنازل، ولولا مشروع «مسام» لما استطاعت العودة إلى بيوتها ومزارعها وإنقاذ أطفالها من موت محقق.
هذا المشروع الإنساني حمل على عاتقه حماية الشعب اليمني وإنقاذه من شرّ خفيّ يترصد عودته إلى الحياة الطبيعية، وقد حظي بدعم مطلق من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، اللذين يولون اليمن وشعبه اهتماماً كبيراً، وتعجز الألسن عن التعبير عن الشكر والعرفان لمواقفهما الصادقة التي تسبقها الأفعال قبل الأقوال.
وعلى وقع النجاحات التي يحققها مشروع «مسام» في اليمن، سواء في مجال نزع الألغام أو التوعية بخطرها أو تأهيل الضحايا عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي يؤدي دوراً محورياً في دعم ضحايا الألغام ممن بُترت أطرافهم.
فإننا نوجّه رسالة إلى من غرر بهم الحوثي ودفعهم لزرع الألغام في الطرق والوديان والجبال: لن ينقذكم الحوثي من عقاب الله قبل العقاب الدنيوي، وهناك وسائل يمكن أن تتهربوا بها من ارتكاب الجريمة، مثل نزع الصاعق من اللغم وتركه بلا خطر على الإنسان.
وقد حدث هذا بالفعل في مديرية مقبنة غرب تعز، حين سلّم الحوثيون أحد أبناء المنطقة ألغاماً لزراعتها قبل انسحابهم، لكنه نزع الصواعق وزرعها صورية، ثم أبلغ المليشيا أنه نفذ المهمة، وبعد تحرير القرية عاد أهلها إليها بسلام، وحظي ذلك الشخص باحترام وتقدير أبناء منطقته، وأثبت للجميع أن اليمنيين يرفضون السلوكيات الإجرامية للحوثي، ولن يكونوا مطية له لإبادة أبناء جلدتهم.
في المحصلة، لم يقتصر الدور الإنساني لمشروع «مسام» على حماية المدنيين في المناطق المحررة فحسب، بل وفّر أيضاً ممرات آمنة للعائلات والمسافرين على الطرق الطويلة.
فـ«مسام» ليس مجرد مشروع لنزع الألغام، بل هو مشروع حياة وأمل سطر فريقه بجهودهم ودمائهم ملاحم سيكتبها التاريخ بماء الذهب عن رجال قدموا من أرض الحرمين، يحملون في يد أجهزة كشف الألغام، وفي الأخرى أكفاناً بيضاء استعداداً للموت في سبيل إنقاذ أهلهم في وطنهم الثاني، اليمن، الذي تربطهم به الدماء والنسب وأواصر القربى، والامتداد القبلي.
كل همّهم إعادة السعادة إلى مئات الأسر وتجنيبها الكوارث، في مواجهة مخططات خارجية إجرامية لا تختلف في طبيعتها عن تلك التي تنفذ في فلسطين، وإن اختلفت أسماء المنفذين.