تصعيد المجلس الانتقالي في حضرموت والمهرة يضع اليمن أمام اختبار جديد لوحدة الشرعية وتوازنات الإقليم
الناقد نت - قسم التحليلات السياسية
دخلت الأزمة اليمنية منعطفاً حساساً مع التحركات العسكرية التي نفذها المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة، وهي تحركات وُصفت إقليمياً بأنها أحادية وخارجة عن إطار التوافق السياسي والعسكري، وأثارت ردود فعل عربية ودولية واسعة، وسط مخاوف من تداعياتها على وحدة اليمن، وعلى مسار التسوية السياسية، وعلى تماسك المعسكر المناهض لمليشيا الحوثي الإرهابية.
المملكة العربية السعودية كانت أول من عبّر بوضوح عن موقفه، مؤكدة أن ما جرى تم دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو تنسيق مع قيادة التحالف، وأسفر عن تصعيد غير مبرر أضر بمصالح الشعب اليمني والقضية الجنوبية نفسها، وأضعف جهود توحيد الصف.
وشددت الرياض على أنها عملت، بالتنسيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، على احتواء الموقف، عبر إرسال فريق عسكري مشترك لترتيب عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، وتسليم المعسكرات لقوات درع الوطن والسلطات المحلية، تحت إشراف التحالف.
وأكدت السعودية أن القضية الجنوبية قضية عادلة ذات أبعاد تاريخية واجتماعية، لكنها لا يمكن أن تُحل إلا عبر حوار سياسي شامل ضمن حل سياسي متكامل، محذّرة من أن فرض الأمر الواقع بالقوة قد يقود إلى نتائج لا تُحمد عقباها، ويقوض الأمن والاستقرار.
هذا الموقف السعودي حظي بدعم عربي وإسلامي واسع، حيث رحبت رابطة العالم الإسلامي بالبيان السعودي، واعتبرت تحركات المجلس الانتقالي خروجاً عن القيادة السياسية الشرعية، ودعت إلى تغليب الحكمة ولغة الحوار.
كما دعت جامعة الدول العربية إلى تجنب التصعيد والتمسك بوحدة اليمن وسلامة أراضيه، مؤكدة أن التطورات في حضرموت والمهرة تزيد من تعقيد الأزمة اليمنية وتضر بمبدأ وحدة البلاد.
وأعربت مصر عن دعمها الكامل للشرعية اليمنية ووحدة اليمن، مشددة على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية، بما يضمن أمن اليمن والمنطقة وحرية الملاحة في البحر الأحمر.
كما أكدت الكويت وقطر دعمهما للجهود الإقليمية الهادفة إلى خفض التصعيد، والحفاظ على وحدة اليمن، والدفع نحو حل سياسي شامل ومستدام.
وفي المقابل، رحبت دولة الإمارات بالجهود التي تقودها المملكة العربية السعودية لاحتواء الأزمة، وثمّنت دورها في دعم استقرار اليمن.
المجلس الانتقالي
في خضم هذه الضغوط، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً عبر هيئة الشؤون الخارجية، حاول من خلاله إعادة صياغة رواية التحركات العسكرية.
وأكد المجلس أن قواته تحركت استجابة لما وصفه بدعوات أبناء الجنوب، ولمواجهة تهديدات أمنية مرتبطة بجماعات إرهابية وخطوط تهريب قالت إنها استخدمت من قبل مليشيا الحوثي خلال السنوات الماضية، خصوصاً في وادي حضرموت والمهرة.
وشدد البيان على أن المجلس منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات، شريطة أن تقوم على ضمان أمن الجنوب ومنع عودة التهديدات، مؤكداً التزامه بالشراكة مع التحالف العربي.
كما دان القصف الجوي الذي استهدف مواقع لقوات النخبة الحضرمية، واعتبره حادثاً مؤسفاً ناتجاً عن التباس ميداني، مؤكداً أن ذلك لن يوقف ما وصفه بمسار استعادة حقوق شعب الجنوب.
شروط الانتقالي
غير أن قراءة البيان في سياقه السياسي والعسكري تكشف أن المجلس الانتقالي لم يعلن تراجعاً فعلياً عن خطواته الميدانية، ولم يلتزم صراحة بالمطالب السعودية والعربية بالانسحاب وتسليم المواقع.
فالحديث عن الانفتاح على التنسيق جاء مشروطاً، ويعكس محاولة لامتصاص الضغوط السياسية دون التخلي عن المكاسب العسكرية التي حققها على الأرض.
المجلس الانتقالي يتحدى
عملياً، يحمل البيان تحدياً غير مباشر للموقف الإقليمي، عبر تبرير التحرك بالقالب الأمني، وإعادة تعريف الخطر في حضرموت والمهرة، في مسعى لإضفاء شرعية على السيطرة العسكرية، وفرض أمر واقع قبل أي تسوية سياسية شاملة، وهو ما يضع المجلس في مسار تصادمي مع الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي، ويعمّق الانقسام داخل معسكر الشرعية.
الأخطر في هذا المشهد أن هذا الانقسام، مهما كانت مبرراته، يصب في نهاية المطاف في مصلحة مليشيا الحوثي، ففتح جبهات توتر جديدة في مناطق كانت مستقرة نسبياً، وتشتيت الجهد العسكري والسياسي للشرعية، يخفف الضغط عن الحوثيين، ويمكّنهم من إعادة التموضع واستثمار الخلافات بين خصومهم، حتى دون أن يكونوا طرفاً مباشراً في هذه التطورات.
رغم أن المجلس الانتقالي يبرر تحركاته بأنها لمواجهة الحوثيين وقطع خطوط تهريبهم، فإن الواقع السياسي والعسكري يشير إلى أن الانقسام داخل معسكر الشرعية، وفتح جبهات توتر جديدة في حضرموت والمهرة، يخفف الضغط عن الحوثيين في الجبهات الرئيسية، وتشتيت الجهد العسكري والأمني يمنح مليشيا الحوثي فرصة لإعادة التموضع، سياسياً وعسكرياً، واستثمار الخلافات بين شركاء الشرعية.
من خلال قراءة البيان وسياقه، يمكن القول إن المجلس الانتقالي يسعى إلى، فرض أمر واقع عسكري في حضرموت والمهرة قبل أي تسوية سياسية شاملة، لتحسين موقعه التفاوضي إقليمياً ودولياً بوصفه قوة مسيطرة ميدانياً، إعادة تعريف "القضية الجنوبية" لتشمل جغرافيا أوسع، رغم الرفض الإقليمي الواضح لذلك.
إجماع إقليمي على وحدة البلاد
إقليمياً، تعكس البيانات المتتالية إجماعاً واضحاً على رفض الإجراءات الأحادية، وعلى دعم وحدة اليمن ومؤسساته الشرعية، وعلى أن معالجة القضية الجنوبية يجب أن تتم عبر الحوار، لا عبر القوة العسكرية.
كما تكشف أن حضرموت والمهرة تمثلان خطاً أحمر في حسابات الأمن الإقليمي، سواء بالنسبة للسعودية أو سلطنة عمان، لما لهما من أهمية جيوسياسية وحدودية.
في المحصلة، لا يمكن توصيف تحركات المجلس الانتقالي وبيانه الأخير كتراجع، ولا كمواجهة مفتوحة، بل كمناورة سياسية وعسكرية محسوبة تهدف إلى تثبيت نفوذ ميداني وتحسين الموقع التفاوضي.
غير أن الاستمرار في هذا النهج، في ظل الرفض العربي والدولي الواسع، ينذر بعزلة سياسية متزايدة، ويهدد بتقويض ما تبقى من تماسك في معسكر الشرعية، ويفتح الباب أمام تعقيد إضافي للأزمة اليمنية، في وقت يحتاج فيه اليمنيون إلى الاستقرار أكثر من أي وقت مضى، لا إلى صراعات داخلية جديدة.