بحث

قراءة في وثائقي المعركة الأخيرة صالح والحوثيون لقناة العربية


الأحد 27/يوليو/2025 - الساعة: 9:47 م

الناقد نت - خاص / تقرير : اماني عزام

في سرد بصري محكم قدمت قناة العربية السعودية وثائقياً بعنوان ‎المعركة الأخيرة.. صالح والحوثيون”.

الوثائقي يتناول الفصل الأخير من حياة الرئيس اليمني الراحل ‎#علي_عبد_الله_صالح، وتحديداً تحالفه المثير للجدل مع جماعة الحوثي، ثم اللحظة الفاصلة والمواجهة الدامية التي أودت بحياته في ديسمبر 2017.

الوثائقي لا يستعرض فقط صراعاً دموياً على السلطة، بل يعيد فتح جرح يمني ما زال ينزف, وهنا لا أعيد عرض ما ورد في الفيلم بل أحاول تحليل أبعاد التحالف والتفكك من منظور سياسي واستراتيجي محايد، مع تسليط الضوء على المفارقة التاريخية التي اختزلت التجربة السياسية لصالح في لحظة خيانة مسلحة.

منذ لحظة تنحيه عام 2012، كان صالح يبحث عن مظلة تمكنه من العودة إلى دائرة التأثير، وبدا له أن الحوثيين رغم كونهم خصومه بالأمس القريب يشكلون أداة واقعية لإضعاف خصومه الجدد في الحكومة الانتقالية والرئاسة اليمنية.

وهنا لا بد من التوقف عند نقطة جوهرية؛ طالما تحالف صالح مع الحوثيين فهذا يعني أنه لم يرهم ميليشيات إرهابية كما يصنفهم خصومهم، بل تعامل معهم كأحد مكونات الدولة الممكنة وشركاء له في سلطة الأمر الواقع.

هذه القناعة أو الضرورة ساهمت في تشكيل المشهد اليمني في 2014 و2015 على النحو الذي رأيناه، إذ كانت نقطة سياسية فارقة عندما اعتبرهم شركاء مؤقتين لاستعادة كرسي الحكم إعمالاً بمبدأ “عدو عدوي صديقي”.

لكن التناقض البنيوي في مشروع الطرفين صالح والحوثيين كان كافياً ليفجر هذا التحالف في لحظة ما، وتلك اللحظة جاءت سريعة، لأن كليهما كان يبحث عن سلطة، لا عن استعادة وطن أو استقراره.

في مشهد درامي، يظهر الوثائقي كيف أصبحت العاصمة صنعاء ساحة اختبار بين طرفين لا يثقان ببعضهما، فحولاها إلى فخ، ومع تصاعد نفوذ الحوثيين تحولوا من شركاء تكتيكيين إلى سلطة أمر واقع، وفي المقابل أدرك صالح أن نفوذه يتآكل وأن أنصاره يستهدفون وأن الجماعة التي تحالف معها لن تفيده في الحصول على مكاسب شخصية أو في العودة إلى السلطة فقرر الانقلاب عليهم.

يكشف الوثائقي عن تفاصيل حاسمة في الساعات الأخيرة من حياة صالح، أبرزها رفضه القاطع لأي وساطة للخروج الآمن من صنعاء، بما فيها وساطة سلطنة عمان.

هذا الرفض يمكن قراءته على مستويين:

فمن جهة يمكن أن يُحسب للرجل إصراره على البقاء في بلده حتى الموت، وهو ما يعكس تمسكه بوطنه وهويته. 

ومن جهة أخرى قد يُقرأ على أنه تمسك بالزعامة وكرسي السلطة حتى النفس الأخير ورفضه أن يعامل كمنفي أو مهزوم.

ما يحسب للوثائقي بشكل واضح هو قوة المصادر وشهادات الشخصيات المقربة جداً من صالح، والتي تحدثت من داخل الدائرة الضيقة المحيطة به، مثل نجله مدين الذي رافقه في لحظاته الأخيرة، وحراسه وأعوانه وبعض السياسيين، وهو ما منح الفيلم مصداقية سردية عالية، وشعوراً بالمشاهدة من داخل الحدث.

لكن يؤخذ عليه غياب الأطراف المناهضة لصالح، سواء من داخل حزب المؤتمر المعارضين لتحالفه مع الحوثيين، أو من جماعة الحوثي نفسها، الذين التزموا الصمت في الوثائقي، أو حتى من محللين محايدين يقدمون قراءة مختلفة، وبذلك افتقد الفيلم لتوازن أكثر شمولية في السرد، رغم تميزه في التقصي الميداني الدقيق.

عرض الوثائقي في هذا التوقيت بعد نحو ثماني سنوات على مقتل صالح، ليس محض مصادفة، بل يحمل رسائل سياسية متعددة.

فعلى المستوى الداخلي، يأتي في وقت تعاني فيه قوى "ما بعد صالح" مثل طارق صالح، وأحمد علي عبد الله صالح، من صعوبة تقديم رؤية مستقبلية تتجاوز عباءة الزعيم الراحل.

أما من وجهة نظر صناعه فيبدو أن الفيلم يرمي إلى توثيق خيانة الحوثيين لحليفهم، كتحذير من مراوغاتهم وتكريس سردية أنهم ليسوا شركاء يمكن الوثوق بهم حتى من أقرب حلفائهم.

الوثائقي يفضح العلاقة المؤقتة بين صالح والحوثيين وتحالفه الفعلي معهم، وهي الحقيقة التي ما زال كثير من المقربين منه أو من عائلته يتعمدون إنكارها، رغم وضوحها في شواهد الحدث.

كما يكشف الوثائقي أيضاً عن حقيقة ميدانية لا يمكن إنكارها، وهي أن جماعة الحوثي باتت تمتلك على الأرض قوة لا يستهان بها، فقد استطاعوا الإيقاع بصالح عبر كمائن محكمة، واستخدموا في معركتهم ضده أسلحة ثقيلة، مع ملاحقة أمنية دقيقة ومحكمة لمنافذ تحركه، هذه الكفاءة العسكرية والاستخباراتية التي بدت في الساعات الأخيرة من حياة صالح تعكس تطوراً في قدرات الجماعة، وتحولها من جماعة محدودة النفوذ إلى قوة منظمة تملك أدوات السيطرة والمباغتة وتحقيق الهدف.

من المثير للانتباه في ردود الفعل اليمنية بعد عرض الوثائقي، والتي أسأل نفسي عنها كثيراً في كل لقاءاتي معهم، هو لماذا يصر اليمنيون وتحديداً المؤتمريون،ة على استحضار الميت بدلاً من التفكير في البدائل؟!

تقرير/ اماني عزام

متعلقات:

آخر الأخبار