الصين تحتفل بجيشها ومصر تشارك الثقة والتعاون 98 عاما من القوة والسلام
الناقد نت - خاص
تقرير / احمد سلام
المستشار الاعلامي المصري السابق ببكين
الخبير بالشئون الصينية والاسيوية :
في مشهدٍ حمل دلالات تتجاوز الاحتفال العسكري إلى تأكيد مسيرة التعاون الاستراتيجي بين دولتين ذوات حضارة ، شهدت القاهرة احتفال سفارة جمهورية الصين الشعبية بالذكرى الـ98 لتأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني، بمشاركة رفيعة من الجانب المصري، ممثلًا في حضور رسمي وعسكري بارز.
وقد جاء هذا الاحتفال تتويجًا لعقودٍ من العلاقات المصرية الصينية التي لم تتوقف عند حدود السياسة والاقتصاد، بل امتدت إلى تعاون عسكري متنامٍ يعكس ثقة متبادلة ورؤية مشتركة للأمن والاستقرار في عالم مضطرب، كنت من بين الحضور الذين لبّوا دعوة كريمة من السفير الصيني بالقاهرة السيد لياو لي تشيانغ، لمشاركة هذا الحدث الذي لم يكن مجرد مراسم رسمية، بل مناسبة حملت رسائل استراتيجية صينية واضحة، وتقديرًا متبادلًا لدور مصر المحوري في الشراكة مع بكين.
اتسم الحفل بحضور رسمي ودبلوماسي رفيع، تقدمه ممثلان عن القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الأركان، وعدد من كبار المسؤولين والسفراء والإعلاميين والأكاديميين المصريين، وممثلين عن جمعية الصداقة المصرية الصينية ، في دلالة على متانة العلاقات بين القاهرة وبكين، خاصة في المجال العسكري، الذي يشكل أحد محاور التعاون الإستراتيجي المتنامي بين البلدين.
تحتفل الصين في شهر أغسطس بأعياد جيش التحرير الصيني.
وقد أدى جيش التحرير الشعبي الذي تاسس في الاول من أغسطس 1927 دورًا محوريًا في بناء الصين الحديثة والدفاع عن سيادتها. ومع دخول البلاد عصر التحديث، تبنى الجيش فكر الرئيس الصيني شي جين بينغ بشأن تعزيز القدرات الدفاعية، مما أسفر عن تطور نوعي في مجالات التدريب والجاهزية القتالية، إلى جانب التوسع في القدرات التقنية والمعلوماتية. وتعكس الخطط الصينية الطموحة رؤية واضحة لبناء جيش حديث بحلول عام 2027، وجيش عالمي المستوى بحلول 2035، يتكامل ضمن قوة وطنية شاملة مع حلول مئوية تأسيس جمهورية الصين في 2049.
وخلال الحفل، أكد اللواء وو تشيان، المتحدث العسكري الصيني السابق وملحق الدفاع الجديد في القاهرة، أن هذه الأهداف لا تنفصل عن مسيرة بناء الدولة، مشيرًا إلى أهمية مجالات الذكاء الاصطناعي، والفضاء السيبراني، والتكنولوجيا العسكرية الحديثة.
في كلمته، شدد السفير لياو لي تشيانغ على أن تطوير القدرات العسكرية الصينية يرتكز على مبدأ "السلام أولًا"، مشيرًا إلى مساهمة الجيش الصيني في مهام حفظ السلام الدولية، وإطلاقه منذ عام 2008 أساطيل بحرية لحماية الملاحة الدولية، بالإضافة إلى خدمات إنسانية قدّمتها "سفينة السلام" في 49 دولة حول العالم. وأكد السفير أن الصين ملتزمة بمبادئ التنمية السلمية، ورفض الهيمنة، واحترام القانون الدولي، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مشددًا على أن قوة الجيش الصيني تهدف لتعزيز الاستقرار لا التهديد.
احتلت العلاقات مع مصر حيزًا مهمًا من كلمات الجانب الصيني خلال الحفل، في إشارة إلى مكانة القاهرة كشريك تاريخي. فمصر كانت أول دولة عربية وإفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين في عام 1956، ومنذ ذلك الحين تطورت الشراكة بين الجيشين الصديقين. وقد أشار اللواء وو تشيان إلى التعاون المتنامي، خاصة في مجالات التدريب والمناورات المشتركة، مثل التدريب البحري في المتوسط، وأبرزها "نسور الحضارة 2025"، أول تدريب جوي مشترك من نوعه بين القوات الجوية المصرية والصينية، والذي مثّل نقلة نوعية في التفاهم العملياتي بين البلدين.
شهد التدريب الجوي المشترك في عام 2025 عدة أنشطة متقدمة، من بينها عمليات التزود بالوقود في الجو، في بيئة عمليات تحاكي سيناريوهات معاصرة، وتشكيل جوي فوق الأهرامات في مشهد رمزي للتآخي الثقافي والتقني، عكس دقة الطيارين وكفاءتهم. ووفق بيانات وزارة الدفاع المصرية ونظيرتها الصينية، فإن هذا التدريب يأتي في إطار رؤية استراتيجية لتعزيز الثقة والتنسيق بين القوات المسلحة في البلدين.
يصادف هذا الاحتفال أيضًا الذكرى الـ80 لانتصار الصين في حربها ضد العدوان الياباني، وهو يوم وطني يرمز لصمود الشعب الصيني في وجه الفاشية. وقد ذكّر السفير لياو بأن "التاريخ هو أفضل معلم"، وأن استحضار دروس الماضي ضروري من أجل مستقبل يسوده السلام والاستقرار.
تعكس مشاركة مصر الرفيعة في هذه المناسبة مدى عمق الشراكة العسكرية مع الصين، وتجدد التأكيد على التعاون الثنائي في بناء السلام الإقليمي والعالمي، وسط تحديات دولية متزايدة تتطلب التنسيق بين الدول الصديقة. وفي ظل الإرادة السياسية المشتركة بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي و شي جين بينغ، يبقى الأفق مفتوحًا لمزيد من التعاون البناء، الذي يخدم مصالح الشعبين، ويُسهم في تحقيق الأمن والتنمية والاستقرار.