الحوثي يدافع عن غزة ويصمت عن حضرموت.. ازدواجية أم عجز؟
الناقد نت - خاص
في ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها محافظتا حضرموت والمهرة، يلفت انتباه المراقبين الصمت الغامض لزعيم المليشيات الحوثية الإرهابية عبد الملك الحوثي، الذي اعتاد الظهور الإعلامي المستمر للتعليق على أتفه القضايا، بينما يلوذ بالصمت المطبق أمام سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على هاتين المحافظتين.
يطرح هذا الصمت تساؤلات جوهرية حول حقيقة ادعاءات الحوثي بأنه "حامي السيادة اليمنية" و"المدافع عن الأراضي اليمنية"، فالرجل الذي يملأ الدنيا ضجيجاً بشعارات الدفاع عن غزة وفلسطين، ويطلق المحاضرات الطويلة حول "مقاومة الهيمنة الأمريكية"، يتحول فجأة إلى شخصية صامتة عندما يتعلق الأمر بأراض يمنية.
يرى محللون سياسيون أن هذا الصمت المريب ليس عفوياً، بل هو انعكاس حقيقي لحالة الضعف والهشاشة التي تعيشها الجماعة الحوثية في ظل الانهيارات المتتالية لما يسمى "محور المقاومة"، فسقوط نظام الأسد في سوريا، وانكسار حزب الله في لبنان أمام الضربات الإسرائيلية المتكررة، وتراجع الدور الإيراني الإقليمي، كلها عوامل أفقدت الحوثي الغطاء الذي كان يتحرك تحته بثقة.
لو كان الحوثي فعلاً يمتلك القوة التي يدعيها، لكان أعلن الحرب فوراً على المجلس الانتقالي، بل وربما على السعودية متهماً إياها بالتواطؤ، لكن إعلان مثل هذا يعني نقض اتفاقات وقف إطلاق النار مع الرياض، وفتح جبهات قتالية لا يملك القدرة على خوضها في ظل وضعه الحالي الهش.
يشير خبراء عسكريون إلى أن اللحظة الراهنة تمثل فرصة استراتيجية نادرة لتوحيد القوى اليمنية المناهضة للمشروع الحوثي، بما في ذلك الحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات طارق صالح، والقوى العسكرية في مأرب، ففي حال توجهت هذه القوى مجتمعة نحو صنعاء، فإن المعركة لن تستغرق أكثر من شهر ونصف إلى شهرين على أقصى تقدير، خاصة في ظل الحالة النفسية المنهارة لمقاتلي الحوثي وضعف دعمهم الخارجي.
صحيح أن مثل هذه المعركة قد تعرض بعض المدن السعودية والإماراتية لصواريخ انتقامية محدودة، لكن هذا الخطر البسيط لا يقارن بخطر السماح للحوثي بالبقاء في السلطة وتراكم قدراته الصاروخية على مدى العامين أو الثلاثة القادمة، حيث سيصبح أكثر قوة وفتكاً ويصعب مواجهته لاحقاً، وفقًا لما قاله السياسي السابق والمنشق عن مليشيا الحوثي علي البخيتي.
الأمر الأكثر دلالة على الضعف الحوثي هو عجزه عن تلبية احتياجات المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرته، حيث يعاني الناس من غياب الخدمات الأساسية وتأخر صرف المرتبات، بينما يشغلهم بشعارات فارغة عن "نصرة غزة"، فكيف يدعي الدفاع عن فلسطين بينما الأراضي اليمنية تُقسم أمام عينيه دون أن ينبس ببنت شفة؟
يؤكد باحثون سياسيون أن الحل الأمثل يكمن في توجيه ضربة عسكرية موحدة لإسقاط الحوثي في صنعاء أولاً، ثم إجراء حوار وطني شامل حول شكل الدولة اليمنية المستقبلية تحت إشراف سلطة شرعية جديدة في العاصمة.
وهذا الحوار يمكن أن يتناول كل الخيارات، بما في ذلك إمكانية فك الارتباط، لكن بطريقة قانونية وشرعية تحظى باعتراف دولي.
أما المحاولات الأحادية للانفصال دون توافق وطني وتحت سلطة شرعية معترف بها، فمصيرها الفشل والعزلة الدولية، تماماً كما حدث مع إقليم صوماليلاند الذي أعلن استقلاله منذ أكثر من ثلاثين عاماً دون أن تعترف به دولة واحدة في العالم.
يحذر محللون من أن تفويت هذه الفرصة التاريخية سيكون له عواقب وخيمة، حيث سيتعافى الحوثي تدريجياً ويعيد بناء قوته، بينما تستمر القوى المناهضة له في التشرذم والتنافس على مناطق النفوذ، مما يعني ضياع اليمن بين مشاريع متصارعة لا يحكمها سوى منطق القوة والأمر الواقع.
إن صمت الحوثي اليوم هو صرخة ضعف صامتة، وعلى القوى اليمنية الوطنية أن تقرأ هذه الإشارة جيداً وتتحرك قبل فوات الأوان.